صناعة الثورة المصرية: الحركات السابقة لها

by Farah kobeissy_2011

احتار بعض المحللين الاجتماعيين والسياسيين في إيجاد تفسير لما يسمى أزمة الديمقراطية في العالم العربي. فقرر البعض منهم أن الأزمة نابعة من شذوذ الأنظمة العربية عن النموذج المركزي الأوروبي للدولة الحديثة. وذهب البعض منهم الى القول بأن الثقافة العربية هي ثقافة خنوع وفساد وأن الإسلام هو مصدر التخلّف. تتحطم اليوم تلك النظريات تحت أقدام الشعب النابض بالحرية والديمقراطية من قلب الشارع المصري.

تبحث تلك النظريات في إمكانية تحقيق الديمقراطية في العالم العربي وتتغاضى عن مكوّن أساسي في عملية التغيير وهو المجتمع الذي يعبّر عن نفسه من خلال التحركات والتشكّلات التي يتخذها. فالشعب المصري اليوم يصنع إنجازاً تاريخياً سقط سهواً من حسابات الحكام، المحليين منهم والعالميين. الشعوب العربية تعيش اليوم في زمن حيث تتضاعف فيه أعداد الحكام وأنواعهم. أولاً، الأنظمة العربية الاستبدادية، ثانياً، المنظومة الاستعمارية في المنطقة المتمثلة بدولة إسرائيل والسياسة الخارجية للولايات المتحدة، وثالثاً، المنظمات المالية والتجارية العالمية كالبنك الدولي، ومنظمة التجارة العالمية. تتشابك آليات ومصالح هؤلاء الحكام في مصر لتشكل واقعاً عاماً من قمع الحريات العامة والخاصة، منها حرية التعبير، وحرية الاجتماع السياسي، وحرية العمل النقابي، وحرية التظاهر. حتى تصل الحال بالنظام إلى إصدار فتاوى دينية عبر المفتين التابعين للنظام تتدخل في تفاصيل حياة الناس الشخصية وبشكل عام تحرّض على واقع اجتماعي قمعيّ. كما أصبحت البلاد أمام واقع اقتصادي هش مع تطبيق السياسات الاقتصادية النيوليبرالية، فمعدلات الفقر والبطالة مرتفعة وخاصة بين الشباب الذين لا يجدون غير طريق الهجرة مفتوحاً أمامهم، في ظل ضعف شبكات الأمان الاجتماعي وتوفير الخدمات الأساسية. بقدر ما أثبتت ثورة الشعب المصري ضرورة إحداث تغيير جذري في النظام، بقدر ما تؤشر إلى أن انفجار الثورة وتجذرها وشيك الوقوع في أية لحظة. كل ذلك وطريقة التحرك العفوي للنساء والرجال في ميدان التحرير، وتشكيلهم للجان الشعبية، والمستشفى الميداني، وتنظيم المناوبات، وكيفيية الدفاع عن الأحياء، وعن ممتلكات الشعب، كله يدل على درجة نضوج فكرة التغيير الحقيقي، وعلى التلاحم والتضامن الموجود بين مختلف الفئات الشعبية المؤيدة لتغيير النظام.

لم تأتِ هذه الثورة من فراغ في الشارع المصري، رغم التعتيم الإعلامي والأمني على نضالات وحملات وحركات سابقة طالما طالبت بتغيير النظام، وبإحداث إصلاحات حقيقية على مستوى الديمقراطية والحريات السياسية والنقابية، والحقوق الاجتماعية وكرامة العيش. نذكر من تلك الحركات على الأقل اثنتين من العقد المنصرم. الحركة المصرية من أجل التغيير (كفاية)، التي انطلقت في يوليو 2004، والتي تطالب بتغيير سياسي في مصر، وبإنهاء الظلم الاقتصادي والفساد في السياسة الخارجية. ركزت هذه الحركة، منذ بدايتها، على رفضها للتجديد لحسني مبارك لفترة رئاسة جديدة ورفضها لمناورات سياسية وتشريعية وإعلامية هدفها التمهيد لتولي ابنه جمال مبارك الرئاسة من بعده، فرفعت شعاري لا للتمديد لا للتوريث. حركة شباب 6 أبريل، وهي حركة سياسية معارضة ظهرت عام 2008، عقب الإضراب العام الذي شهدته مصر في 6 أبريل 2008 بدعوة من عمال شركة غزل المحلة. بدأت المظاهرة بعشرات العمال ثم سرعان ما انضم إليها العديد من الاهالي للاحتجاج على الظروف الاجتماعية والاقتصادية من غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار. وحاول الأمن قمع المتظاهرين الذين وصل عددهم الى 30 ألفاً. بالإضافة إلى هذه الحركات هناك قضايا عديدة من الاعتقال الاعتباطي والتعذيب مثل قضية خالد سعيد، وما دار حولها من تحريك للرأي العام حول ضرورة رفض التعذيب ومحاسبة من يرتكب هذه الجرائم التي تعدّ جرائم ضد الإنسانية. إذاً، إن إحداث التغيير الجذري ليس بمطلب مستجد لدى الحركات الاجتماعية المصرية بل يأتي من صلبها. لا بد من أن نشير أيضاً إلى الأشكال والآليات الجديدية للتواصل والتنظيم والتعبير. هناك مجموعة كبيرة من المدونات الالكترونية تعبّر فيها المعارضة، المستقلة والشبابية منها بشكل خاص، عن نقدها ومعارضتها للنظام. كما يتم استخدام صفحات فايسبوك وتويتر وغيرها من الشبكات الاجتماعية من أجل التواصل والحشد للتحركات المختلفة التي تنظم على الأرض. ومن الملفت أيضاً في هذه الحركات ابتعادها عن أشكال التنظيم الهرمية والسلطوية، فإن المجموعات منظمة بشكل شبكات متصلة ببعضها، من ناشطين سياسيين يساريين، إلى ناشطين حقوقيين، وصولاً إلى شبكات من الفنانين والمستقلين الشباب.

بعثت الثورة المصرية، وقبلها الثورة التونسية، الأمل في قلوب شعوب المنطقة، بأن يتحقق حلمهم بالحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية. تصدح اليوم أصوات الناس من كل الشوارع العربية مطالبة بما كرّسته الثورة المصرية، الشعب يريد إسقاط النظام“. فمن البحرين إلى اليمن، إلى الأردن إلى سوريا، وإلى إيران، تنتفض الشعوب اليوم وتتحرك بروح الثورتين المصرية والتونسية. بل وأن هاتين الثورتين تحملان قيم إنسانية عالمية، تجري في أفئدة شعوب العالم، وتجدد الأمل في تغيير الواقع برمّته. لا تتوقف الثورة عند مشهد خلع السلطان، بل تؤسس لمرحلة جديدة من النضال من أجل تحقيق جميع المطالب. هناك بعض القوى السياسية تحاول الاستيلاء على محققات الشعب، هذه القوى غير متنبهة لواقع عجزها عن تمثيل الحركة التي سيولد منها تشكيلات وحركات جديدة تستكمل النضال. حتماً سيكون الوضع أفضل من أيام مبارك، المجتمع المصري اليوم مقبل على مرحلة جديدة من تاريخه، يصنعها وعي الناس لحقوقهم، وإصرارهم على تغيير الأمر الواقع.

ختاماً، إلى أولئك الديمقراطيين الانتهازيين، المنادين بدمقرطة العالم من على متن الطائرات والسفن الحربية، المرتعدين اليوم أمام المشهد المصري، أقول لهم موتوا بغيظكم لأنكم لا تملكون القرار بعد اليوم، ولمعرفة ماذا يمكن أن يحدث لمصالحهم في بلادنا، الرجاء الإنصات جيداً إلى حناجر التحرير.

Publisher: 

Sawt al' Niswa

Section: 

Category: 

Featured: 

Popular post

Our portfolio

We wouldn't have done this without you, Thank you Bassem Chit - May you rest in power.

Copy Left

Contact us

Contact Sawt al' Niswa via:

You can also find us on: