الثورة المصرية بين “الثقافة” وغيابها

by sandy Chamoun, Cairo, 2008

ويشهق الرفاق وهم يسمعون خبر سرقة المتحف المصري …” لأ، إلاّ المتحف! “…
ويتحلق الجميع حول الشاشة بينما تركّز الصورة على المتحف والخبر بالأحمر والأبيض، ينبئ بالإعتداء
.

صدم لسماع خبر بهذه البشاعةتبدو الصورة أوضح وأعنف عندما نفكر في ما يحصل في مصر، في معنى هذه الثورة، في هؤلاء الناس الذين يموتون في الشوارع، وفي الجموع المتسمرة على الفيسبوك والتويتر تتابع قتل المئات أمام أعين العالم …ويصرخ البعض لحماية المتحف.

والملفت للنظر أنّ الإعلام المناصر لمبارك هو أول وأكثر من كان يهتف لحماية المتحف. فنرى ” علماء ” و” مثقفين ” وغيارين على مصر وتاريخها يصرخون ويبكون أمام الملايين، يطلقون الصرخة لحماية المتحف والتاريخ والثقافة والفن والفرعون.

والملفت كيف تصل هذه الصرخة إلى الجميع لأنّ هناك فكرة سائدة بأن الثقافة والفن لا علاقة  لهما بالسياسة . فيرتعش الجميع ، مهما كان رأيهم بنظام مبارك : “لاّ المتحف ” وتبدأ النظرات بالعتب على الشباب في ميدان التحرير، وتتغير النظرة إليهم . فهم وإن كانوا طلاب حق، يتحولون إلى رعاع و مجرمين بحق الإنسانية إذا ما تعدّوا على المتحف .

لكن  المضحك في الأمر أنّ الفن كان دائماً موازياً، إذا لم يكن محركاً، للشعوب والثورة.

فبين الشيخ إمام وأمل دنقل ومحمود درويش و نوال السعداوي و فنانات و فناني النمور السود لتحرير الأميركيين الأفريقيين في أميركا الشمالية والشاعرات اللواتي كتبن عن قمع المرأة في كل العالم و كل شخص كتب/كتبت، رسمت ، نظمت شعراً أو هتفت شعاراً،  الثائرات والثائرين …كلهم صنعوا الثورة وجعلوا صورتها في عقول الملايين أوضح وأعنف وأكثر حقيقةً.

و في الثورة المصرية، رأينا الفن من شعر وأغان ورسم وكتابة … الكل كان لا يشارك فقط بل يصنع الثورة. فالفن جزء لا يتجزء من الثورة، من وعي الإنسان ومن ترجمة علاقته مع محيطه ومشاكله وتجربته.الثورة كانت دائماً مجالاً لتفتح ما كان مقموعاً في الإنسان: ليس فقط  إنسانيته وشعوره بل وبكل ثقة أقولها، المرأة فيه وفيها. فانفجار الثورة وتدفقها في عروقنا لا يكسر قمع السلطة لنا، فحسب بل يسمح أيضاً لفيض العاطفة بالجريان ويجيز للمرأة في داخلنا بالخروج وبإعلان سيطرتها على إدراكنا وانفعالاتنا ونظرتنا إلى الحياة. يجعل الحياة تتدفق فينا ، قوية، هادرة، كالثورة تماماً.

 

أما ما يجري من اتهام لشباب الثورة بالتعدي على المتحف والفن فهو ليس وليد اللحظة، وانما هو نتيجة التعريف المجتزأ والمشوه للفن والثقافة. فلا تظهر لنا الثقافة إلاّ عبر المتحف والآثار والمباني القديمة… وهي تعريفات وضعها الرجل الأبيض منذ أن اكتشف المنطقة.  فبينما تمتد جذور الثقافة إلى حياتنا اليومية، وعلاقتنا مع الناس وقراءتنا للجريدة وشكل بيوتنا حتى إن لم تكن تراثية،  تكون الصورة محدودة و سلطوية لدى من يعتبر أنّ الثقافة يقفل عليها باب في المساء.

يحلو لنا رؤية الثقافة بشكلها الملموس السهل: المتحف المصري الذي يحوي أهم وأجمل ما عرفه الإنسان عن تاريخه. ولكننا ننسى أيضاً ماذا فعل حسني مبارك ونظامه على مدى أكثر من ثلاثين سنة بالثقافة في مصر وبالأدب وبرامج التعليم، كما ننسى مستويات الأمية في مصر وقد بلغت 35% على مستوى الشعب فيما تعاني 45% من النساء فوق عمر ال-15 من الأمية.

ننسى الرقابة على الأفلام والمطبوعات والمسرحيات ، وإنتاج ‘ جُنر ‘ خاص من الفن لخدمة النظام وغسل أدمغة الشعب وإبلاغهم أنّ ” الدنيا بخير “. بالإضافة لما يختزنه هذا الاتهام لشابات وشباب الثورة من همجية وجهل لقيمة الفن والتراث، يبدو البكاء على المتحف مختزلاً لمعنى الفن وحاصراً له في حدود نخبوية مجتزأة: الفن والجمال موجودان فقط داخل المتحف…

أما ما نراه بأعيننا في شوارع مصر، وما سمعناه من غناء وهتافات، ما خلقه هؤلاء الأشخاص في أيام معدودة كان أجمل أشكال الفن. بينما كانوا يخافون على المتحف من جنون العامة، كان الفن هنا وكان الجمال هنا وكانت الحياة هنا.

قالت الثائرة إيما غولدمان يوماً “إذا لم يكن بإمكاني أن أرقص، فلا أريد أن أكون جزءًا من ثورتك ‘ .. رقص شعب مصر حتى انتصر.

Publisher: 

Sawt al' Niswa

Section: 

Featured: 

Popular post

Our portfolio

We wouldn't have done this without you, Thank you Bassem Chit - May you rest in power.

Copy Left

Contact us

Contact Sawt al' Niswa via:

You can also find us on: