يوم ضربَنا مصرف لبنان: مبلى في بديل

By Wissam Andraos

 

صراخ نساء وهراوات تعلو وتسقط ، تعلو وتسقطلم نفهم ما الذي حصلكنّا نحمل يافطات ونتحدّث ونهتف أحياناً وبدأالخبيط فجأة، دون أن نعي لماذا قبضوا على أحد الشبّانجرّبنا أن نغلق الطريق الرئيسي في شارع الحمرا حتّى يعود الشابتقدمّت مع العشرات من النساء والرجال لإقفال الطريق، وهجم علينا رجال الدرك بعصيهم وأيديهم العملاقةلا أذكر إلّا إحساسي بأنني صغيرة جدّا، يتدافعني من حولي، وإذ أنظر إلى أعلى أرى كعبي بندقيتين يرتفعان فوق رأسيأغمض عيناي وأقول خلص، أكلتها، ولكن ثمّة من يدفعني بغير قصد فأفوّت الضربةتتقاذفني المتظاهرات والمتظاهرون.

لم أرهم يوما ينهالون على متظاهرين بهذا الشكلضربوا ونكّلوا واستشرسواكنت أسمع صراخ النساء من حولي دون توقّفصرخت بهم أنا أيضا إذ رأيت الغضب فيهم وهم يضربوننا “**** بأكبر أرزة على راس أكبر ضابطيا حيواناتركضوا وراءنا وانهال العشرات منهم على شخص واحد يفجّرون فيه حقدا لم أعرف في البدء منبعه.

ضربوا أدهم وأخذوه، قالوا لي، ضربوه، وأنا لم أكن هناك، واعتقلوه ولا أدري ما أفعلتسمّرت مكاني وأنا أتنفّس ببطء، أحسست بعضلات وجهي تتشنّجضربوه، يعني فجّموهلم أستطع الصراخ ولكنني هجمت أدفع بهم فأفشّ خلقيتحوّلت المظاهرة من مطالبة بحقوق ورفض لواقع إلى لعبة سيكولوجيةتنفيس عن أحقاد وغضب ثم ردّات الفعل.

لأوّل مرّة أراهم هكذا وقد فقدت عيونهم جزأ من بشريتها، وانهالوا علينا بالضرب وكأنهم يفرّغون فينا كلّ غضبهم من الحياة وظلمها لهمأو يفعلون ذلك لأنهم يدركون أننا على حق، وأننا بوجودنا هنا نخلق ثغرة في نظامهم.

كنت قد حضّرت يافطة صغيرة كتبت عليها “..مبلا في بديلكتبتها وأنا أتذكّر كيف، مذ بدأت أسأل عن تأثير هذا النظام علينا وأبحث عمّا يمكن أن يغيّره، كان الجواب يأتيني: “معك حقنظام ظالم، بس ما في بديل“.مبلى في بديل، ولأنه في بديل، ضربونا.

ضربونا لإننا نزلنا إلى الشارع وقلنا لهم مبلا في بديل، لنظامهم الرأسمالي، لسياساتهم الإقتصادية، لهمجيّتهم، لمفهومهم المجزّئ للحياة، لفلسفتهم التي تقول بأحقيّة الأقوى، لنظرتهم إلى الأمور التي تقتل الجمالالبديل يدمّر منطقهم.

في كلّ مرّة تقع في سلسلة من تناقضاتها وأزماتها، تستشرس الرأسمالية أكثرفمنذ أزمة ال2008 ونحن نرى الحكومات وهي تتخبّط في سياسات اقتصادية مجنونة، تقطع رعايتها عن الأكثر تهميشا، تسدّ ديون الشركات العملاقة، تسحق مدنا بكاملها وتبحث كمارد أعمى عن مخرجلقد تعوّدنا على كوننا الجسد الذي يستمدّ منه هذا النظام قوته وحياتهلقد كنّا منذ البدء سوقا ويدا عاملة ومصادر ثروات لهذا النظاموتقول الرفيقة والمناضلة والكاتبة أودري لورد في مجتمع يكون فيه تعريف الخير اعتمادا على مفهوم الربح بدل الحاجة الإنسانية، يجب أن يكون هنالك دائما فريق من الناس –وعبر قمع ممأسسيُنظر إليهم كفائض ويحتلّون المنزلة الأدنى لغير المؤنسنفي هذا المجتمع، هذا الفريق هو الملوّنون وأبناء العالم الثالث، العمّال، كبار السن والنساء.” اليوم نحن الفائض، نساء ورجالا وعمّالا وكلّ من فكّر خارج المفاهيم المعلّبة.

منذ 2008 إذا، والأمور تتضّح والشعوب تتحرّكونحن نشهد ليس ثورات فقط، بل طرح أسئلة ممنوعة ..وهذا ما يخيفهمبالإضافة إلى فرضنا لحقيقة وجود البديل، يبدو طرحنا لأسئلة عن أشياء من المفترض أنهم أجابوا عليها وأقنعونا بأجوبتهم، هو التهديد الثاني لهم. لم ندفع لنغطّي ديونكم؟ أين تذهب أموالنا؟ لم نعمل أكثر منكم ونتعب أكثر ونعيش تحت خط الفقر وأنتم تنعمون بالثروات؟ لم الله يحبّكم ولا يحبّنا؟…”هذا ما يجعل النظام مجنونا إلى هذه الدرجة، هذا ما يجعله يهجم كالمسعور علينا.

وفي اليوم الذي تظاهرنا فيه رفضا للسياسات الرأسمالية، فرضنا واقعا جديداإن وضوح فكرة هذه التظاهرة واتجاهها بالتحديد أي اتخاذها دون أي تردّد شكلا يساريا بحتا بشعارات ومواقف واضحة من حيث رفضها للمساومة على تغيير نظام ظالم، شكّلت استهدافا لقلب النظام،فالوضوح هو الحقيقة.

والواضح فيما جرى هو استعمال الشرطة كأداة عنفية للقمع، بيد المصارفوقد ظهّر ذلك الصراع المطروح:فصراعنا ليس ضد الدولة كسلطة فقط، بل كتابع لطبقة بورجوازية عابرة للحدودلقد لقّب المناضلون السود الشرطة بالخنازير، لمعرفتهم أن هذا الجسم القمعي الذي يملك وحده حقّ استعمال القوة وضدّ من يريد، هو أداة سهلة بيد الدولة التي هي أصلا أداة للبورجوازية العنصرية آنذاكالشرطة هنا ليست حاميةالمواطنة والمواطن وحافظة الأمنهي ليست، كما يريدنا ليبراليو (عفوا للتصنيف، ولكن الأمور هي هكذا على الأرضالحداثة والثقافة والخروج من الخيمة أن نظن، ليست ما يفصلنا عن العنف والفوضى وغياب المبادئ والقوانينهي ليست المعيار للصح والخطأ، وهي ليست إذا من يجب أن أحني له رأسي فآكل الضربة من هراوة وأنا أشكره لتأديبه لي وهدايتي إلى الصراط المستقيملقد ضربوا أدهم ولم يجعلني ذلك أحبهم أكثر أو أتفهّم وجهة نظرهم أو أقتنع بأحقية ما يضربوننا من أجلهالشرطة هنا بكل بساطة موجودة لتنفيذ أوامر سلطة المال.

لقد ضربوا من ضربوا وذهبواولكن الحقد الطبقي الذي كان يملؤني حين أتيت إلى هذه المظاهرة الآن، ازداد مرّات ومرّاتفهم ضربوا ما في القلب من ألوان وأخذوه معتقلا لديهم، موزّعي الشاي هؤلاءوهم جعلوا ممّا كان فيّ من منطق يرفضهم، جعلوا منه جزء صغيرا ممّا أصبح فيّ الآن من شغف لرؤية هذا النظام ينهار وأدواته وعبيده والمدافعين عنه.

Publisher: 

Sawt al' Niswa

Section: 

Tags: 

Featured: 

Popular post

Our portfolio

We wouldn't have done this without you, Thank you Bassem Chit - May you rest in power.

Copy Left

Contact us

Contact Sawt al' Niswa via:

You can also find us on: