أي فخر في مواكب الفخر؟

Gay Pride - Tel Aviv

لفت أنظاري مقالان في الإعلام الفلسطيني عن موكب الفخر في تل أبيب وحيفا. الأول في موقع “معاً” والآخر في موقع “بكرا”. وفي قراءتي للمقالين، شعرت أنني أشهد تغييراً في اللغة واللهجة المستعملتين لوصف الحدث ومَن فيه. لم تُستعمل تسمية سلبية للمثلين والمثليات بل اعتمد المقالان صفة سرد أو تقرير إيجابي للمشاركة في مواكب الفخر الإسرائيلية. في خبر “معاً” المترجم إلى الإنجليزية، تطور نقاش مع المعلقين/ات حول رفض الفلسطينين للمثليين/اث جنسياً مقابل تقبل الإسرائيلين لهم/ن. كان من ربط الجدار بالاضطهاد المثلي وكان من رفض الربط بين صور الاضطهادات المختلفة ورهاب المثلية. بينما قابل موقع “بكرا” الناشطة سميرة (من مجموعة “أصوات”) واستعرض مشاركتها ومسيرة نضالها وكلماتها في موكب الفخر في حيفا وصور ودارت ردود الفعل في الموقع من رفض هذا “الانحلال” و”الانصياع” الى تصرفات وصفت “بمقرفه” أو “منبوذة”. ولكن الأغرب في الموضوع أنّ الخبر المنشور في موقع “بكرا” لم يتطرق الى حقيقة مشاركة الناشطة الأصواتية في الموكب البديل الذي رفع شعارات تضامن مناهضة لحصار غزة، ما يشوه حقيقة هذه المشاركة ورسالتها المنشودة. فقد رُفعت في هذه المسيرة البديلة شعارات تندد بالإحتلال والعنصرية الإسرائيلية خلافا للموكب العام الذي يتجاهل هذه القضايا وبالتالي انتقدت هذة المسيرة موكب الفخر العام. من هنا، فإنّ تغطية موقع “بكرا” للحدث خاطئة بعض الشيء وتظهر الناشطة الأصواتية الجريئة سميرة كمثلية على الطريقه الإسرائيلية وبهذا تُنكل وتشوه حقيقة مقولتها السياسية. ليس موضوع مقالي محاولة تفسير هذه البلبلة المعتمدة أو غير المعتمدة (موضوع ممكن بحثه في مقال أخر)، إنما أود أن أطرح أسئلة عامة حول المشاركة الفلسطينية في مواكب الفخر الإسرائيلية.

وهذه الأصوات هي بمثابة جانب من نقاشنا اليوم كمثليات فلسطينيات. تدفعني هذه المقالات وردود الفعل عليها الى التساؤل عن ماهية صورة مشاركتنا في مواكب الفخر الإسرائيلية؟ كيف نُصور أنفسنا في هذه المواكب وكيف يُصور الغير مشاركتنا؟ وهذه أسئلة مهمه ولربما تقع أهميتها في أننا موجودات داخل دوامة من التساؤلات. البعض منا لا يسأل والبعض الآخر يتسائل لماذا الفخر أصلاً ولماذا لا أشعر بالفخر؟ وما هو هذا الشعور بالفخر الذي يُسوّق ويُسلّع لنا كسلعة مثلية عالمية؟

للتطرق إلى هذه الأسئلة والنقاش فيها، أقترح أن يكون محور الحوار على مُستويين: الفلسطيني-الإسرائيلي هو الأول والثاني هو التواصل العالمي العولمي (وممكن الحديث عن المستوى الشرق-أوسطي، لكن هذا يتطلب مقالاً كاملاً بحد ذاته).

أبدأ من المحور العالمي والعولمي:

أساساً وأولاً، يجب سرد السيرورات المختلفة التي من بذورها نبتت أشجار الفخر- أي مواكب الفخر. ظهر موكب الفخر الأول كمظاهرة إحتجاجية لحملة الاعتقالات العنيفة البوليسية لمثليي الجنس في فندق ستونوول في مدينة نيويورك عام 1969. وباتت الجاليات المثلية عالمياً تحيي ذكرى مظاهرات ستونوول. لهذا السبب، ما زال البعض اليوم يربط مواكب الفخر بالنشاط السياسي لأحرار الجنس. ويربط البعض الآخر النشاط المثلي بأهمية الشهرة والظهور المثلي العلني. الإشهار كما يعتبره الكثيرون هو فعل سياسي نشاطي فيه يخرج المثليين من “الخزانة” لإعلان الرغبات الجنسية والمواقف الاجتماعية بصورة علنية. مرّ أكثر من أربعين عاماً على وقائع ستونوول وتحولت الأغلبية من مواكب الفخر الى حفلات ومهرجانات أسبوعية قائمة ليلاً ونهاراً، تتراقص فيها الأجساد لعيون المشاركين والزوار وكاميراتهم. فكثيراً ما نلاحظ الغياب البطيء للتحرك السياسي في مواكب الفخر وقد يُساهم البطء التدريجي في تصوير هذا التلاشي على أنه “طبيعي جداً”. لهذا لا يلاحظه الكثير وإن لوحظ يعتبَر أنه “تقدم” و”تنور”.

فكان على سبيل المثال النقاش الأخير في مدينة تورنتو الذي صرحت فيه اللجنة التنظيمية لموكب الفخر برفض شعارات تندد بنظام الفصل العنصري الإسرائيلي، وهو حدث مركزي أعيد فيه طُرح الحوار والتساؤلات عن هشاشة المقولة السياسية في مواكب الفخر. وكانت لي مقالة سابقة قد تطرقت فيها إلى مصطلح رهاب المثلية-السياسية عقب قرارات اللجنة المنظمة أطالب فيه بإعادة النظر في مكانة مواكب الفخر على خريطة أو خرائط الصراعات المثلية والهويات المثلية. وكانت ردود فعل الكثيرين من المثليين/ات أفراداً وجماهيراً مثيرة ومؤثرة حيث قامت مجموعة “كويرز ضد الأبارتهايد الإسرائيلي” بتنظيم اجتماعات ومظاهرات ضمت فيها أصواتاً مركزية من الجالية المثلية في تورنتو نددت فيها بقرارات اللجنة التنظيمية وكان القرار الأخير الذي نشرته اللجنة والصحف في تورنتو هو تراجع الأخيرة عن حظر استعمال المصطلح “نظام الفصل العنصري الإسرائيلي”. ولربما هذا “الانتصار” هو بمثابة انتصارات عبثية إذ فيها تناقض مبطن. فهل نهلل للجنة رفضت الوجود السياسي والكيان المهمش ونعتبر هذا انتصاراً للقضية المثلية أو الفلسطينية؟ طبعاً الصورة هي دائماً مركبة ومعقدة أكثر مما نتصور. فالرفض الأساسي مهم لتحليله ولربما أكثر من التراجع نفسه. وإذا أردنا تحليل التراجع فحذاري من تصور الأمور وكأنها سارية باتجاهاتٍ سياسية عادلة. وطبعاً ما يؤكد هذا الحدث هو أهمية العمل على كشف القوى الفاعلة خلف هذه القرارات وهي بأغلبها قوى تستضعف المستضعفة وتجُرها الى التيار النيوليبيرالي السائد عالمياً اليوم.

لكن الأسئلة الأهم هنا التي تتطلب قراءة مطولة لتاريخ وحيثيات مواكب الفخر ورموزها عالمياً ومحلياً هي: ما هي صورة مشاركتنا المحلية لمواكب الفخر وما هي الرسالة المحلية والعالمية التي نهتفها عالياً؟ هل هي رسالة عالمية رافضة للقوى المحلية أو رسالة منبثقة من الصرعات المحلية كالعنصرية ونظام الأبوية والتهميش والاحتلالات؟ وهل لهذه التأثيرات المحلية المركزية في صياغة حياتنا اليومية تأثير عالمي؟ وهل ينبغي أن يكون لها تأثير عالمي ومحلي؟ لماذا لا نضع في أجندة مواكب الفخر العالمية أصواتنا المحلية؟ وهل هناك إمكانية للاتحاد مع تيارات قد هُمشت من قبل قطارات مواكب الفخر الثقيلة بدلاً من الإنجرار والتسارع للإلتحاق بهذه القطارات السريعة؟

 

قد يكون المحور الثاني هو الأهم هنا ولكنه نابع من تساؤلات السابق وهو السياق الفلسطيني-الإسرائيلي. ويعيدني هذا إلى المقالات الصحفية المذكورة أعلاه والى هذه الأحداث المتتالية لظهور مثليين/ات فلسطينين/ات في مواكب الفخر الإسرائيلية. كانت لمجموعة أصوات مشاركات علنية سابقة بحضور روضة مرقص إلى مواكب الفخر الإسرائيلية وقد حملت هذه المشاركه صوتاً أخر يفاقم التعقيدات في صراعاتنا كنساء مثليات ومهمشات في دولة استعمارية. ولكن هذه المشاركة كانت ضئيلة رغم وقع صوتها القوي. اليوم تشارك نساءنا ورجالنا الفلسطيون/ات في مواكب الفخر كأفراد تتلاشى وجوههم/ن وسمارهم/ن مع الأعلام الإسرائيلية وألوان القوس. ومن هنا يُطرح السؤال، “كيف نفرض وجودنا من دون كتم أصواتنا المعبرة عن موقعنا وعن تاريخنا وحتى حياتنا اليومية؟” إحدى الاقتراحات التي فكرت فيها هي إمكانية رفض مشاركتنا في مواكب الفخر نهائياً لأنها، أولاً، تمثل جزءاً غير كامل مطلقاً منا وثانياً، تهمش هذه الأجزاء المهيمنة على حياتنا كفلسطينيين مواطنين في دولة إسرائيل وكنساء نصارع مؤسسات وطنية ذكورية لا بل من خلال تهميش هذه العوامل تتعزز القوى السائدة في الخطاب الإسرائيلي الداخلي والخارجي عن “ديموقراطية” الدولة و”صيانتها” حقوق الفرد محاطةً ببحر من دول “فاشية”. فها هنا نرى المثليين/ات الفلسطينيون/ات يسيرون على خطى الإسرائيليين، جنباً الى جنب، يتبادلون الابتسامات مع جنود، مستعمرين، يمينيين ويساريين، عنصريين، ملحدين ومتديين تحت شعارات “كلنا في الهوا سوا”. أي هوا وأي سوا عندما تستغل الحركات الصهيونية الأمريكية والكندية والأوروبية مثلاً تواجد العرب الفلسطينيين في مواكب الفخر الفلسطينية لترويج سياساتهم المعادية للشرق أو للفلسطينيين أو للعرب أو الإسلام؟

أرفض أن أحكم على أصدقائي وصديقاتي المشاركات/ين في مواكب الفخر هذه لأنني أعرف أهمية مشاركتهن الشخصية والاجتماعية ومساهمتهن في إظهار وجودهن على المستوى المحلي. ولكن هل من الممكن عرض قضية المثلية السياسية على الساحة الفلسطينية أولاً؟ وهل بإمكان المثلية السياسية أن تطور صورة تحليلية واضحة تكشف معادلة الاضطهاد الذكوري والاحتلالي الذي يعمل دائماً بصورة شائكة ومتشابكة؟ هل يمكن للعمل النسوي المثلي أن يسير بالخطاب القومي والنضالي إلى مستويات أخرى رائدة على خارطة العمل السياسي؟ هل من الممكن أن نقاطع مشاركتنا مع مسيرات احتفالية إسرائيلية مثلية ونضع منهاجاً للعمل على مشاركتنا على الساحة السياسية النسوية الفلسطينية، في الداخل وفي الضفة وغزة؟ ومن هنا، ندفع العمل السياسي الفلسطيني العام الى حيز عادل أكثر وشمولي أكثر؟ أود أن أفتح هذه الأسئلة للنقاش!

‏30‏ حزيران‏، 2010

روابط متعلقه:موقع بكرا:

http://www.bokra.net/Article.aspx?id=915880

موقع معاً بالإنجليزية:

http://www.maannews.net/eng/ViewDetails.aspx?ID=291318

 

Publisher: 

Sawt al' Niswa

Section: 

Category: 

Featured: 

Popular post

Our portfolio

We wouldn't have done this without you, Thank you Bassem Chit - May you rest in power.

Copy Left

Contact us

Contact Sawt al' Niswa via:

You can also find us on: