ول شي، وبما انو الموضوع خطير وجوهري، بدا القصة فنجان قهوة. القهوة الإلكترونية اليوم من دَيّات الست عزيزة. الست عزيزة إنسانة جبارة، تخرجت بشهادة محاسبة واشتغلت سبع سنين سكرتيرة بعيادة طبيب محترم. عزيزة مربى جبلي، من النوع اللي ما بيكسرها إلا دمعة إمها وولادها.
تربت على خبزة وزيتونة وكاسة كرامة عالترويقة. كانت دايما تقول الشغل بهدلة، ولولا من المعاش بآخر الشهر كانت أكيد بتفضل تبقى بالبيت. لما صار صاحب الشغل يطحش على عزيزة، أكيد صدّته، شو شو مفكّرها هيدا؟ مين ما قلّها تش بتقلّوا مش؟
بس نوايا الطبيب كانت شريفة، ومن الطحشة نتج زيارة عالبيت، ومن زيارة البيت نتج طلب إيد. وصارت عزيزة تحلم بإنها تكون مرت الحكيم وولادها يكونوا ولاد الحكيم. الحكيم إبن عيلة محترمة، من زمان وجاي ميسورين، الخي محامي والإخت رئيسة جمعية أهلية.
بس عزيزة للأسف نسيت كيف عيلة البيك حصلت على الجاه ونص أملاك الضيعة، نسيت التاريخ الإقطاعي الإستبدادي لعيلة جوزها. لحد ما راح شهر العسل وبقي الواقع المر. وراحت الإيام وعزيزة مقتنعة إنها بمرحلة معينة وصلت القصة لحدها، تركت عزيزة البيت وراحت “تقضّي يومين ببيت أهلها“.
ليلتها، غليت أم عزيزة كاس يانسون لعزيزة، طهّرتلا جروحاتا وحنّت عليها، بحضور سائر نساء العيلة وغياب الرجال اللي ما حبوا يتدخلوا بثرثرة النسوان. تجنبت عزيزة نظرات النسوان اللي كانوا عم بيقارنوا عزيزة اليوم بعزيزة اللي كانوا يعرفوها لما كانت تحت رقم سجل هالبيت. الفرق كبير، كاسات الكرامة الصباحية راح مفعولها، وشوي شوي طغيت ملامح الأم والزوجة على وجها.
ناموا الرجال وطلّعت إم عزيزة قنينة العرق. زادوا العرق على اليانسون وحكيوا. كل وحدة كان عندها قصة زوج، أو خي، أو قريب، أو صاحب شغل، أو حتى غريب كسّرن متل ما تكسّرت عزيزة. ويمكن غير الرحم، ما كان في شي يجمعهن إلا قصص القمع الجندري. أهم نقطة إختلاف كانت “الحق عمين؟“
وعزيزة، بغض النظر عن تفاصيل المشكل مع جوزها، صارت رمز لهالصراع الجندري. هل الحق على الرجل اللي ضرب؟ أو عالمراة اللي “ما راعت الظروف“، “ما طوّلت بالها“، “ما انتبهت لواجباتها كفاية“، “ما سكتت“؟ يمكن الحق على الطرفين؟
أم عزيزة، بخبرتها الطويلة بغسيل الإجرين وتشفّي الرضى، ردّت الموضوع للإطار الصّحيح: “بغض النظر عن مين الغلطان ومين المظلوم، في شي إسمه أمر واقع. ولو إنو الحق بالمية مية مع عزيزة، شو بيطلع بإيدها؟ بتخرب بيتها؟ بتحط جوزا بالحبس؟ ليش شو منقّص عليها مادياً هوي؟ عندها بيت وسيارة وجخ وصانعة. شو بدها تطلق، وتفوت بالمحاكم ضد جوزها اللي معه مصاري وخيّه محامي؟ ليش أية محكمة أصلا رح تسمحلها حتى تشوف ولادها إذا طلبت الطلاق على أساس مشكل وشوية خبيط؟ مش بس مجبورة عزيزة ترضى بهيدا الزواج، بس كمان مجبورة ترضي جوزها، لأنو من لحظة اللي بيجوا الولاد بتصير المرا فشة الخلق، وإذا ما رضيت بالأمر الواقع، بصيروا الولاد فشة الخلق. حدا عندو فكرة شو وضع الولاد هلق؟“
سكت الكل، معها حق إم عزيزة، بالنهاية الكل بيعرف قصة فلانة أو فليتانة اللي تركوا بيتهن تمرداً على الظلم، فكانت آخرتن تشريد ولئلئة العالم وخسروا ولادن. ومن دون ما يتم الإتفاق على الخطوة التالية حس الكل بالنعس وصار ضروري يناموا.
طيّب إذا قررت عزيزة اليوم تتشكّى على زوجها لأنو ضربها، شو بيطلع بإيدها. هيدا السؤال اللي وجّهته لفاتن فكان جوابها بسمة كمان.
أوّل شي مش لازم ننسى إنو القانون بعد ما صار ساري المفعول. على حد قول فاتن، بعد القانون لازم يقطع على اللجان النيابية للمناقشة، قبل ما يخضع للتصويت بمجلس النواب، وإذا قطع إختبار التصويت، بدنا ننطر مجلس النواب تيحط آلية تنفيذ للقانون، بتشمل تدريب القضاة، إنشاء صندوق مالي لدعم ضحايا العنف الأسري… بالمختصر المفيد، على همة مجلس نوابنا الفظيع، بعد ممكن يتخرّج ولاد عزيزة قبل ما يسير القانون ساري المفعول.
والأسوأ من هيك إنو يمكن عزيزة بحياتها ما تسمع بهيدا القانون، بالنهاية، معظم حملات التوعية مرتكزة ببيروت، وعزيزة عايشة بالضيعة. وحتى إذا سمعت فيه، رح تقرا بالبند الأول إنو القانون يراعي “قواعد إختصاص المحاكم الشرعية والروحية والمذهبية“، يعني إنو عزيزة بنهاية المطاف بعدها ملزمة تقطع بالمحاكم الشخصية وتخضع لقانون الأحوال الشخصية الذكوري.
وهون بتختصر فاتن الوضع وبتقول: “في كتير إشيا بالقانون اللبناني مش ماشي حالها، القانون كله سوا بده نفضة“. بس ما حدا يفتكر إنو السنين التلاتة الأخيرة كانت مضيعة للوقت. مثلاً، بيت عزيزة بإسم جوزها، وإذا اختارت تتشكى عليه بتهمة العنف الأسري، بيتم البت بالقضية بشكل معجّل وإذا قدّمت تقارير طبية برهانية، بتقدر تجبر زوجها يأمن لإلها وولادها مكان سكن بديل لحين البت بالموضوع بالمحكمة الروحية. إذا تعذّر على الزوج تأمين سكن بديل، ملزم يترك البيت.
وكمان، زوج عزيزة ملزم بدفع تكاليف إستشفاء عزيزة، ووفقاً لدرجة خطورته المبرهنة في مجال للحصول على قرار حماية، يعني بينمنع الزوج من إنه يقرّب على عزيزة أو ولادها… إلى حين صدور قرار المحكمة الروحية.
وما ننسى إن القانون بيفرض على “أي مرجع قانوني إعلام النيابة العامة المختصة، بكل حالة يشتبه أنها من قبيل العنف الأسري تظهر أمامها أثناء قيامها بأعمالها القضائية[...].” بمعنى تاني، بيصير السكوت عن العنف الأسري جريمة.
اللي فينا نقوله إنه قانون الحماية من العنف الأسري بعد ما صار حقيقة، وحتى إذا بتدخل إلهي وعينا وقرينا بالجرايد إنو أُقر، الأرجح إنو عزيزة رح ترجع تلحق نصيحة إمها، ترضى بزواجها وتراضي زوجها. بس الفرق إنو عزيزة عندها “صانعة” وبالتالي فيها ساعة اللي بدّا تفش خلقة بالمرا اللي إجت تشتغل عندها.
لأنو قانون حماية المرأة من العنف الأسري لحق كل القوانين اللبنانية بتجاهل حقوق عاملات المنازل بلبنان. مع إنو بالمادة التانية بينص التعريف التالي للأسرة:
“الأسرة: تشمل أفراد العائلة، سواء كانوا مقيمين في مسكن واحد أم لا، على أن تجمع بينهم رابطة الدم أو المصاهرة حتى الدرجة الرابعة أو التبني أو التكفّل أو القيمومة أو الوصاية.”
التكفّل بيقول القانون، وكل العاملات الأجنبيات بلبنان بتخضع لقانون الكفالة، هل في كذا نوع من الكفالات؟ وليش ما حدد القانون عن أية كفالة عم نحكي؟ أسئلة محيّرة، بس الجواب بيكون أكيد بمقال تاني إنشالله.
بالنهاية، قانون حماية النساء من العنف الأسري أشبه بالتفاحة منيحة اللي عم تنحط بسحّارة تفاح مهري، إذا ما تم العمل على نهضة قانونية وإجتماعية رح تهتري هيدي التفاحة المنيحة الوحيدة بسرعة. لازم نتصرّف ولازم نتصرف بسرعة
Publisher:
Section:
Category: