عدد العاملين بأجر في لبنان هو نحو 579 ألفاً و298 أجيراً، يضاف إليهم نحو 115 ألفاً و88 مياوماً أو عاملاً على القطعة أو بأجر أسبوعي أو موسمي، فضلاً عن نحو 350 ألف مستخدم يعمل في خارج لبنان. ويقدّر عدد العاطلين عن العمل بنحو 176 ألفاً و313 عاطلاً عن العمل… أي إن عدد الذين تنطبق عليهم صفة «عمّال لبنانيين» يصل إلى مليون و220 ألفاً و699 عاملاً، وذلك بحسب إحصاءات محمد زبيب(الأخبار، 30 نيسان) الذي استعان بدوره بـ إدارة الإحصاء المركزي لعام2007. ولكنني أقول، وبكل ثقة، أن هذه الإحصاءات ليست دقيقة، بحكم أنها تهمل شريحة من عاملين وعاملات لبنان: عمّال الجنس. تتعذر الإحصاءات الوطنية حول المهنة الأقدم في التاريخ، تليها مهنة السياسة، ورغم ذلك، لا يمكن للرائي إلا أن يلاحظ مكانتها في بلاد الأرز والسياحة. ومن باب بعض ما أعرف، امتهان الجنس لا يمارس كخدمة سياحية تدر العظيم من أموال بلاد الذهب الأسود فقط، بل هي في الأحياء والزواريب وبجانب جبال “الزبالة”، للشبع والإشباع الوطني أيضا. من هنا توجبت حماية حقوق ممتهني الجنس من الابتزاز والعنف والاتجار، وحماية المستهلكين من مفاعيل الخدمات الجنسية، وفي مقدمتها الأمراض المنقولة جنسياً. الأمر ليس معقداً بالنسبة إلي ولا يحتمل الكثير من الجهد الفكري أو المساءلة أو المناورة وصولاً إلى الإدانة قولاً وفعلاً. وأنطلق من المعتقدات الآتية:
1- الإنسان حر في اختياراته، ومن ضمها المهنية. وأي اختيار كان لا ينقض إنسانيته.
2- لا يحق لي، كإنسانة، الحكم على خيار الآخرين سيما إن كان بامكاني اختيار الانخراط من عدمه فيها.
3- يحق للإنسان عدم التعرض إلى العنف الجسدي والنفسي والاقتصادي. 4- يحق للإنسان عدم التعرض إلى الاستغلال الاقتصادي والجسدي.
5- الاتجار بالإنسان جريمة.
6- المرأة هي إنسان كامل. الرجل هو إنسان كامل.
أنطلق من هذه المعتقدات، قبل توثيقها في الاعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948) وبعده أو في شرعة الحقوق المدنية والسياسية (1966) وقبل توقيع لبنان عليهما (على التوالي 1948 و1973) وبعده، لأؤكد أحقية عمال الجنس بالقوانين الحمائية وحكم هذه القوانين. هنا، أنا لا أدافع عن مهنة البغاء أو أمقتهاـ ولكنها حقيقة موجودة، يمارسها أناس مثلنا، سواء أدانتها مجتمعاتنا أو إعترفت بها. لذا اعترافاً منا بالحقوق الحمائية التي يستحقها ممارسو البغاء بحكم إنسانيتهم، توجبت حمايتهم من دون الحكم عليهم. ولدى عمال الجنس حقوق في العديد من البلدان ولكنني لا أريد الخوض في ذلك لأنه ليس بمعيار. ماذا بعد؟ للذين يقولون إنّ المرأة أو الرجل يُجبران على ممارسة البغاء، أقول “ربما” ولكن يمارس العديد من الشابات والشبان أيضاً مهناً تحت وطأة الضغط كالمحاماة مثلاً أو الطب. وربما، فقط ربما، الشرمطة خيار لشرموطة أو أكثر. مهما تكن الأسباب، هي مهنة قائمة بحد ذاتها. المؤسف أن بنات وأبناء الهوى يعانون الأمرّين من عنف جسدي ونفسي ويتعرضون إلى الابتزاز مراراً. هذا عدا عن الاتجار بهم. والسبب ليس فعل البغاء بحد ذاته بل عدم حماية الدولة لحقوقهم الإنسانية. فبحكم القوانين، قد لا يستطيع أي قواد أن يستغل “شراميطه” أو ان يكسب من عرق جبينهم، أو أن يمارس “العرسة” أي سلطة كانت عليهم. بالأخص، لا يستطيع إجبار الفتيات والفتيان على ممارسة ما لا يريدونه. من جهة موازية، من مسؤولية القوانين حماية “الزبائن” من خلال الاحتكام الى معايير نظافة محددة كاستعمال الواقي مثلاً.
عندما ترى المهنة النور، يذهب العفن المتأصل فيها. الطريف أنّ من نتائج قوننة البغاء الحد منه، أي لا “يدخل المهنة” إلاّ من يختار ذلك سبيلاّ. وللمنفجعين على أخلاقياتنا، نحن مستقبلهم، أقول إنه ربما من همة خطط اقتصادية موفقة، ولو لمرة، أن تحد من الفقر الذي قد يدفع بالأفراد إلى ممارسة ما لا يريدونه، من ضمنه، على سبيل المثال لا الحصر، البغاء. بل والأكيد أنّ الانفتاح الجنسي، أي “الانفتاح” قبل الزواج، بكل ما في ذلك من نقاء وحب، أن يحدّ من ممارسة الدعارة. أ عرف أنّ هذا مطلب مبكر على بلد طائفي واستزلامي وأبوي فاسد وتعيس، حيث لا يحصل أي عامل على حقوقه الإنسانية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، وفي حين تدان فيه الحرية الجنسية وقف المادة 534 وتقتَل المرأة من أجل الشرف ولا يحق لها حتى نيل الحماية من العنف الأسري. أعرف أن الوصول إلى المطلب شبه معجزة، لكن ماذا عن الاعتراف بأحقية هذا المطلب ضمن المطالب العمالية؟ ماذا لو نعّيدهم في عيد العمال؟
Publisher:
Section:
Category: