قصّة "هنا" أو كيف تم القضاء على "خالو نبيل"

 

“تعي نلعب طالعة يا نازلة خالو“، واحدة من العبارات البريئة التي كان نبيل يستعملها لينتهك حرمة أعضاء ابنة اخته الحميمة!

لم يكن لكلمة لعب معنىً اخراً، وغير بريء ل“هنا” ابنة الخمس سنوات. ولكن كان للّعب مع “خالو نبيل” طعم آخر. كان سرّياً، سريعاً، خاطفاً وخاصاً جداً. كانت “هنا”تظن انه يفضلها ويحبها اكثر من اي من بنات اخواته الاخريات. فهي لم تره يوما يقوم بدعوة اي منهن “للّعب”.كانت زياراته تكثر لبيتها في اوائل العطلة الصيفية حين تضطر والدتها للخروج صباحاً وتركها في عهدته لبضعة ساعات. بضعة ساعات لبضعة سنين كانت كافية لتجعل من طفولة “هنا” السعيدة حقبة سوداء.

كان لا بد “لهنا” ان تكبر يوماً وتدرك معنى الالعاب الممتعة التي تطورت من مداعبات خفيفة الى العاب مؤلمة، غالباً ما تتم في حضور والدتها والتي لم تلحظ اي تصرف غير مألوف. في السيارة، ““تعي قعدي حد خالو“، ليلاً“بالضيعة عند خالتو” حيث تجتمع العائلة للسهر ويفترش“السهيرة الارض ليلاً استعداداً “للترويقة العظيمة” صباحاً.لكن نبيل كان ينتظر فرصة كهذه ليمارس العابه مع هنا”النائمة بجنب امها”!

تمت “هنا” الثامنة من عمرها وحينها بدأت تستمع الى بعض الاحاديث الخاصة بين الفتيات في

صفها. وكل ما تمكن عقلها الفتي من فهمه ان القبلة على الفم “عيب كبير“. لم يدرك نبيل ان فعلاً بسيطاً كمحاولة تقبيل “هنا” على فمها قد يفضح امره. فهو قد سبق و“عاش حياته” في انتهاك اعضاء اعظم و اجلّ من الفم! فكيف لها ان تعلم الفرق؟

كانت مدرسة الراهبات هي من انقذ ما تبقى من براءة في طفولة “هنا”. لم يكن “خالو نبيل” من مناصري العلم و التعلّم واغفل ان المدرسة والطالبات الصغيرات وأحاديثهن السرية قد تعود عليه بالخسارة.

من المعروف عن هنا انها طفلة جميلة وجريئة. قررت هنا ان تخبر ابنة خالتها المفضلة “لجين”. بدأت“المراسلات السرية بين “عائشة بكار” و“برج البراجنة“. وتقرر بناء عليها ان تجتمع “هنا” و“لجين بفتيات العائلة وتحذيرهن من العاب خالو نبيل الغريبة والابتعاد عنه قدر الامكان. لكن اصرار خالو نبيل على تجريد“هنا” من عذريتها كلّفه الكثير. ففي ليلة افاقت على الم شديد في أسفل بطنها ووجدت أن يد خالو نبيل التي كانت يوماً مصدر لذة سرية أصبحت قاسية ومصممة على اقتحام “السيكليست“. ولحسن حظها أن“السيكليست” كان ضيقاً مما صعّب مهمة خالو نبيل ومنحها الوقت لتستنجد بأمها النائمة بقربها! يا لجرأة خالو نبيل ويا لجرأة كل متحرش حقير. فبالطبع كانت كلمته مقابل كلمة طفلة كان لها صديقاً خيالياً من مدة ليست ببعيدة، والسكوت عن فعلته إن فضح أمره، مقابل فضيحة بنت صغيرة وعائلة كبيرة في قرية صغيرة.

عندما أدركت “هنا” أن خالو نبيل لن يرتدع، قامت بدعوة “لجين” الى اجتماع طارئ صدر عنه قرار اخبار الوالدة والخالة “أم لجين“. تصورت الفتاتان أنها انتصرتا على خوفهما وعلى خالو نبيل. لكن ردة فعل الوالدة والخالة أتت مخالفة لتوقعات هنا ولجين والمنطق والدين والمجتمع والاخلاق. تقرر الاتي: عدم اخبار “أبو هنا” واعلام “الخال الكبير” بالأمر. وكان “الخال الكبير” ، أب لأربع بنات حينها، في حالة انكار أشد من “أم هنا” التي بدت هادئة كأن شيئاً لم يكن. وقرر “الكبير” أن يطلب من خالو نبيل عدم الاقتراب من الفتيات مجدداً!

أدركت هنا حينها أنها لن تنال من خالو نبيل وأمثاله سواء تكلمت أو سكتت. كبرت هنا وكبر معها كفرها بكل المفاهيم والنصائح التي قدمتها برامج زياد نجيم وزافين كويومجيان الجريئة. لا تخافي، تكلمي اذا تعرضتي للضرب، العنف المنزلي أو التحرش أو الاغتصاب. لكن تجربة هنا مع السكوت والكلام باءت بالفشل. كبرت هنا ورأت بأم عينها المتحرش القذر يخطر حرّاً أمام الجميع. يأتي في العيد متوقعاً قبلة وعناقاً لخالو.ووالدتها بكل محبة وسرور تمنحه سيارتها القديمة دون مقابل، سيارتها التي أمضت معا سنوات الجامعة ومغامراتها ورحلاتها. “شافتو عم يتمختر فيها وأكيد أشكال ألوان من الأفعال العجيبة بتصير على مقاعدها يلي قعد عليها أصحاب هنا وكتبها وثيابها“.ورأت أن الجميع يتعامل مع خالو نبيل طبيعياً. لم تر أي من خالاتها تبعد ابنتها عنه.

ارتاحت “هنا” لفكرة أن خالو نبيل رجل مريض وتعيس. فقد أمه حين كان صغيرا ولم يجد من يعلمه الصح من الخطأ. واستطاعت التأقلم مع الفكرة هذه الى أن ظهر متحرش جديد في الساحة وتم التغاضي عن الموضوع والتكتم عنه كيلا ينهار “بريستيج تانت يولا” والدة المتحرّش المستجدّ. المتحرّش الذي كرّس وقته وجهده ليبرهن لفتيات العائلة الصغيرات أن للمصعد استعمال آخر، وأن للحليب مصدر آخر غير البقر وثدي“الماما“.

رأت “هنا” روؤس كبار العائلة الشامخة تنحني للمرة الثانية أمام منحرف قذر وشهدت على افلات الأخير من العقاب تماماً كما أفلت خالو نبيل ونجا بفعلته. خالو نبيل كان محظوظاً، فقد أفلت بأفعال كثيرة غير سفاح القربى. فقد كان لخالو نبيل أفعالا عديدة تصب في خانة الكذب والسرقة والنصب، الزواج والطلاق والزواج بامرأتين والاحتيال. كل “المصايب السودا” هذه ولازالت العائلة الكريمة تسدد مصاريف وديون وسندات خالو نبيل.

سنوات من العلاج النفسي السري بعد أول سنة في كلية الصحة، بيّنت لهنا أسباب مشاكل مراهقتها وما بعد المراهقة. الوزن الزائد، الزهد بكل الاشياء التي تهتمّ بها المراهقات من ملابس وألوان وحب واسرار.كان لها من الأصدقاء الكثير. وكانت لها شخصية مرحة وشعبية عالية حيثما ذهبت، لكنها لم تعرف مغامرات المراهقات الغرامية وسخرت منها. وغالباً ما تكون السخرية وسيلة للدفاع أو التهرب.

قالت لها المعالجة يوماً بعد جلسة نق على موضوع الوزن:”انت ما بدك تضعفي، خلص ما بقى تعذبي حالك ريجيم ورياضة وعمليات. جسمك رافض يكون حلو حتى ما ينعجبوا فيه الرجال. اطلّعي أساساً انت من وين بتنصحي وبتضعفي“. جملة واحدة جعلت هنا تستفيق من غفلة 26 سنة وحينها فقط فقدت هنا 20 كيلو من وزنها في سنة واحدة وأصبح لها “بوي فريند“.

تجرأت هنا وحكت قصتها لاثنين من أصدقائها. أصبحت أكثر ارتياحاً للفكرة وللتعامل معها. لم تعد تكره نفسها بالقدر ذاته. ما لم تكن هنا تدركه أن الخطأ ليس خطؤها والذنب الذي حملته لسنين ليس ذنبها.

تركت “هنا” لبنان وانتقلت للعمل في بلد عربية. نسيت هنا كل ما تعلق بخالو نبيل الى أن قالت لها والدتها خلال زيارة، أنها تريد أن تذهب الى بيت طالبة في معهد التمريض، سنة أولى، مع “أم لجين” لطلب يدها لخالو نبيل. جنّ جنون هنا ذات السابعة والعشرين وقررت أن تتشاجر مع والدتها لسبيبن: أولاً لأنها لا زالت تمدّ خالو نبيل بطغيانه وثانياً لجرأتها على اطلاع هنا على أخباره بعد فعلته. ولسخرية القدر، لم تفهم “أم هنا” معنى كلمة فعلته فأجابت ببراءة “ليش شو عملّك“. حالة الانكار الشديد جعلت “أم هنا” تمسح الموضوع من ذاكرتها وتستبدله بكلمات مليئة بالصدمة والحزن والدموع والندم والخجل: “أنا كنت مفكرة انه كان يضايقكن لما يقعد مع خطيبته قدامك انت ولجين“.

قاطعت “أم هنا” عرس خالو نبيل وقطعت عنه المصروف. اقتصر لقاؤهما على سلام جافّ. حينها بدأت هنا تحسّ بالانتصار وبفرحة عارمة لقدرتها الآن على مسامحة والدتها وتفهّمها لما مرّت به دون أن تتقبله بالضرورة.

جاء الصيف، وجاء المرح وجلسات العائلة في حديقة خالتو. حول ارغيلة تفاح للصغار وراس مدبّس “للخال الكبير، دار الحديث حول آخر أفعال خالو نبيل. بعد لحظة تفكير عميق ونظرة الى الافق، شخصت الأنظار الى“الخال الكبير“، رئيس البلدية مؤخراً، منتظرة لتلقّف الجواهر والحكم والحل لمشكلة ديون خالو نبيل. نطق الكبير اخيراً وقال: “بابا الله يرحمه وصّاني بنبيل. وانا بصراحة حاولت كتير. كلامي موجّه لالكن انتو الصبايا والشباب. أنا واخواتي ما بقا قادرين. أنا عندي حل بسيط. كل حدا منكن انتو يلي بتشتغلوا بيتبرّع بعشرين دولار بس بالشهر هيك منغطي الديون. خالكن أو عمّكن نبيل ما رح يتغيّر“.

سكت الكبير عن الكلام المباح وسقطت جواهر الكبير على هنا كدلو من الغائط. لم تمنعها هيبة الكبير من السخرية من هذا الرأي الخالي من المنطق، فهنا لن يسكتها شيء بعد الآن. نظر الكبير لهنا نظرة تعني أنه مهتم لمعرفة رأيها فقالت :”عاجلوا المشكلة من أساسها. كل ما شاف أنكم ،سوري بالكلمة،عم تمسحوا خراه، رح يضل معتمد على هالشي. أنا بعتذر يا كبير ما بدفع ولا ليرة من تعبي“. استغرب الكبير وسأل الصبايا والشباب الحاضرين. “وأنتو؟” ولدهشته رفض الجميع اقتراح الكبير مما جعل خالو صلاح “أبو ليلى” يحتدّ ويقول: “عشنا وشفنا فريخات بيربوا خالهن“. “لأ لأ لأ، اسمحلي فيها يا أبو ليلى إذا بتريد”وسردت هنا حكايتها على مسمع من سمعها من قبل ومن لم يسمعها من شبان العائلة و“الخال المغترب“.عم وجوم وصمت طويل قطعته جواهر الكبير مجدداً في الجلسة الصيفية الأنيسة. “انا يا خالو كنت مفكّر مرة واحدة جرّب وما زبطت معه“. “نعم؟؟؟؟؟ شو هالمنطق يا خالو؟” فأجاب الكبير:”منيح يلي قلتيلي يا خالو، هو ساكن بوجّ بيتنا وعندي ولاد زغار“. فابتسمت هنا وقالت :”أنا يا خالو حكيت وانتو اخترتوا انكن ما تسمعوا بس ما تخاف على البنات، كلّن بيعرفوا“.

في تلك الليلة الصيفية انحنت رؤوس العائلة الشامخة وطأطأت مجدداً، ولكنها طأطأت هذه المرّة” لهنا”.

 

ملاحظة من المحررات: تم ترك بعض الامور في النص كما هي وذلك لإعتبارها جزء لا يتجزء من القوة التي يتحلى بها، كما ونحيي الصديقة ف. ص على شجاعتها لكتابة النص والذي يعبّر عن تجربة شخصية وحقيقية.

Publisher: 

Sawt al' Niswa

Section: 

Featured: 

Popular post

Our portfolio

We wouldn't have done this without you, Thank you Bassem Chit - May you rest in power.

Copy Left

Contact us

Contact Sawt al' Niswa via:

You can also find us on: