“نحن كدولة إسلامية اتخذنا الشريعة الإسلامية كمصدر أساسي للتشريع ومن ثم أي قانون يعارض مبادئ الشريعة الإسلامية هو معطل قانونا وأضرب مثلا لمثل هذه القوانين وهو قانون الزواج والطلاق الذي حدد من تعدد الزوجات، هذا القانون مخالف للشريعة الإسلامية وهو بالتالي موقوف.” مصطفى عبد الجليل
هذه كانت أولى بشائر المجلس الانتقالي الليبي في أول قرار معلن له بعد سقوط الطاغية القذافي في 23 تشرين الأول 2011. والمثير للسخرية والسخط في نفس الوقت، أن مصطفى عبد الجليل، رئيس المجلس الانتقالي، لم ينس قبل جملة واحدة من الكشف عن هذا القرار “الثوري” أن يخص النساء بكلمة جاء فيها: “…ولا ننسى النساء اللواتي كان لهن دور في انتصار هذه الثورة واللواتي تحملن وزر الكفاح ضد معمّر القذافي وأنهن أمهات السجناء وزوجاتهم وأخواتهم وقريباتهم” ، فإذا به يكافئهن على كفاحهن عبر الانقضاض مباشرة على حقوقهن المكتسبة.
وكان المشهد الذي التقطته عدسات الكاميرات فور هذا الإعلان معبر جدا… فوسط الحشود المهلّلة للقرار، مرت وجوه لنساء اعتلتها معالم الحيرة والدهشة والخيبة من هول المفاجأة هذه. وردة فعل النساء مبررة، فلطالما كان تعدد الزوجات أمراً استثنائياً في السابق، وكان يتطلب أسباباً منطقية وموافقة الزوجة أمام القاضي، حتى تتم الموافقة عليه.
يبقى المثير في الأمر كله، مدى تسرع المجلس الانتقالي إعلان القرار هذا، حتى يُخيّل للمشاهد\ة في الوهلة الأولى أن الأسباب الحقيقية للثورة الليبية لم تكن طغيان القذافي وعائلته الذي امتد طوال أربع عقود، ذاق الليبيون والليبيات خلالها أسوأ أنواع القمع والظلم من كبت للحريات ومن قتل وسجن وإفقار ونفي للمعارضين على يد طاغية لا حدود لجبروته، ويعتبر أن شعبه لا شيء غير جرذان. كما يخيّل للمشاهد\ة أن ليبيا ما بعد القذافي لا يعوزها شيء من إعادة إعمار وعلاج الجرحى وضمان حقوق المعوقين وتعويضات لعائلات الشهداء وخلق فرص عمل وإجراء انتخابات ديمقراطية وإعادة السيطرة للشعب على اقتصاده وموارده البترولية والمائية وإنجاز التحرير الكامل عبر رفع يد النيتو عن القرار السياسي والاقتصادي وغيره… فبدا لعبد الجليل سبب واحد وحيد للثورة على نظام القذافي وهي أولى الاولويات التي يجب تحقيقها بعد سقوطه: “إلغاء القانون الذي يحد من تعدد الزوجات“!
لا ندري ما يبرر لجوء المجلس الانتقالي إلى إعطاء هذا القرار الأولوية، لعلها الاتهامات الموجهة إليه بانقلابه على الثورة والى تحوله إلى حليف مطلق للغرب الاستعماري، وهي بالمناسبة اتهامات ليست بالباطلة، أو لعله تصريح يهدف إلى استرضاء الإسلاميين. مهما يكن من أمر فإن ليبيا الجديدة لا يجب أن تستقر على أظهر النساء.
هذا القرار بحد ذاته إن دل على شيء فهو استمرار نهج النظام السابق حيث تم استبدال القائد الواحد الأحد بمجلس كامل من القادة. فأي نهج ثوري هذا الذي يعمل بموجب قوانين لم يتم نقاشها ولا التداول بمحتواها ولا إقرارها من قبل الشعب؟ وأية عقلية ثورية تلك التي تأتي بمشروع قائم على اضطهاد النساء؟ لعله سقط سهوا من عبد الجليل أن الثورة لم تقم من أجل تعدد الزوجات، وبالتالي يجب تذكيره بحقيقة والتي تقول بإن إذا قاتل الثوار وكافحت الثائرات في ليبيا لشيء فهو لإرساء التعددية. التعددية السياسية والفكرية. تعددية الخيارات والآراء. لا تعددية الزوجات والزيجات!
Publisher:
Section:
Category: