هناك شعور نعاني منه جميعا في سوريا، على الاقل في دمشق حيث أعيش، ويتعلق بالسؤال التالي”ما الذي أستطيع أن أقدمه أكثر للثورة”؟
فأغلب الناس من حولي لديهم شعورا بالذنب، فهم يشعرون أن هناك المزيد من الاشياء الذين يستطعون تقديمها للثورة، غير ان في تقديمها تصبح العوائق أكبر. وأيضا، إكتشافنا في مراحل لاحقة بأننا جميعا مشغولون بما نقوم فيه في الوقت الراهن، ونواجه جميعا الخُلاصة المُرّة والتي تقول بأنه من الافضل ان تقوم بعمل واحد على حدة وانهائه.
فتعدد المهام يبقى امرا خطيرا ويستهلك طاقة، والامر الوحيد الذي تعلمناه من هذه الثورة، هو ان “الطاقة من ذهب”، وعلينا تقديرها والحافظ عليها للايام والاوقات السيئة.
هذا الشعور بالذنب يحومّ في ارجاء الزنزانة مع المعتقلين والمعتقلات، وأيضا حول الناشطين في المخابئ وأولئك المجبورين قسرا على مغادرة البلاد بسبب ملاحقة فروع المخابرات والامن لهم ولهن. وحول من ينام ٤ ساعات في الليل فقط ( اعرف ناشطة هكذا)، هذا الشعور بالذنب يحومّ حولنا جميعا.
لا يذهب هذا الشعور عنا مهما فعلنا وبغض النظر عن المرات التي اعتقلنا فيها، فهناك شعور دائم باننا نستطيع ان نقوم بالمزيد. ما الذي استطيع القيام به وما هي العوائق التي تحول دون ذلك؟
أستطيع أن أكتب عن هؤلاء الثوريين الرائعين الذين تركوا عائلاتهم واطفالهم ويعشون في الوقت الراهن من أجل هذه الثورة ، وتستطيعون ان تروهم يرمون النكات ويوزعون الابتسامات في المظاهرات، وبعضهم كان معتقلا وتعرض للتعذيب، وتقف تسمعهم يتكلمون عن تجاربهم في الاعتقال وتعلم من تجربتك الخاصة في التعرض للاعتقال انها بعيدة كل البُعد عن ما تعرضو له ، هم الناشطين المجهولين، فاقدي الامتيازات والذين لا حسابات لهم على الفايسبوك والتوتير، ولكنهم الاشخاص الذين يلهمونك ويجعلونك تؤمن، بأن هناك أمل
لرجال الثلاثة من اليسار الى اليمين هم: جوان فارسو وبسام الاحمد وأيهم غزّول، زملائي في المركز السوري للإعلام وحرية التعبير وتم أعتقالهم في ١٦-٢-٢٠١٢ من قبل المخابرات الجوية ومن ثم الفرقة الرابعة والتي يترأسها ماهر الاسد.
أستطيع أكتب عن الناشطة التي التقيتها في سجن عدرا والتي قد تعرضت للتعذيب الشديد والتي لا تبتسم حينما تقول لك ” عم يوجع وين مكان”، ويبقى بريق في عينيها، رغم ان جسدها ضعيف ولكنك ان تعلم انها لن تستسلم للالم-الالم الجسدي الذي لم اتعرض له- ولم يستطيع ان يثني من عزيمتها وروحها الثورية ، ويتركني هذا اللقاء بدهشة شديدة.
أستطيع أن اكتب عن الشبان الثوريين والذين يتجمعون حول زجاجة عرق رخيصة ويتضاحكون ويسكرون بعد ساعات من الحديث حول كيف هربوا من اطلاق النار في ضواحي دمشق، وكيف التقوا بهذا الشاب الخفيف الظل والذي تحاداهم وهم يسرعون في الركض : “مين منا بوصل قبل عل البناية؟” وكيف نسي الشباب اطلاق النار من ورائهم وكان كل تركيزهم ان يصلو المبنى للاختباء أولا، لا من اجل جائزة ، بل من أجل اللحظة نفسها.
أستطيع ان اكتب عن العلاقة بين معتقل وبين سجان يعطيه الاكل ثلاث مرات في اليوم. عن الثقة والاحترام التي بنيّت بفعل الزمن. لدي ما اقوله عن هذا الموضوع في التحديد، لكني اخاف على امان ومصير السجان.
استطيع ان اكتب قناص في ضواحي دمشق ، والذي يقوم بإطلاق الرصاص في وقت محدد كل يوم ليعلم اهالي الحي ان دوامه بدء وكإنذار بأن لا يغادرو منازلهم. يسمونه ”القناص الرحيم”.
لا استطيع ان كتب التفاصيل، فالمدونة هذه تخضع لرقابة بهدف حمايتي وحماية الاشخاص الذين يلهمونني، كل يوم.
قد نعاني من التعب، وقد نكون محبطين قليلا وقد تشعرون بأننا في صمت. انا شخصيا خرجت من السجن وانا في حالة فراغ واتصلت بصديق وقلت له” انا بحاجة لان اسمعك تتكلم” وحينها احسست بأني على ما يرام، هكذا شعرت انني افضل من جديد.
لدي الكثير لاقدمه ولكني لا استطيع الان وهذا لا بأس به. لا بأس ان لم تعلمو عن كل هؤلاء الاشخاص الرائعين، وهذه اللحظات الجميلة. فقط اعلموا ان الامور ليست بهذه القباحة وان هناك من الحياة والامل، دائما.
أهدي هذه التدوينة الى الثوار الباسمين، فإبتسماتكم تخلق العجائب في عالمي.
نشرت بالانكليزية : http://razanghazzawi.org/2012/05/18/revolutionaries-smile/
Publisher:
Section:
Category: