كنت أعيش في لبنان وكأنني لست منه ولا أنتمي إلى مجتمعه. لطالما كانت اهتماماتي وطموحاتي وأهدافي تختلف عن أي أحد آخر أعرفه وذلك لأنني أعتبر نفسي إنساناً، قبل أي أمر آخر بينما كان منطلق الآخرين يتوقف على جندرهم: أي درب يسلكونه وأي تفكير يتبعونه يرتكز على ما إذا كانوا إناثاً أو ذكوراً. وكلما أدركت كم التمييز شاسعاً بين الجنسين في لبنان، أكان في قوانينه أو مجتمعه أو طوائفه… كلما عزلت نفسي أكثر فأكثر فاقدةً الأمل في أن أنتمي يوماً. بحثت بين الجمعيات التي ُتعنى بشؤون المرأة وحقوقها وازداد يأسي أضعافاً. كان بعض تلك الجمعيات يُعنى بالمرأة انطلاقاً من كونها أماً وربة منزل فحسب وكأنّ لا نساء خارج نطاق الزواج والأمومة. وكان البعض الآخر يحصر اهتمامه بالمرأة المثقفة أو الثرية ما دون سواها وكل ما رأيت تلك الجمعيات تحققه هو إقامة المآدب الفاخرة.
في نهاية المطاف، لم أعد أبحث. والحمد للّه على الإنترنت إذ سمحت لي بالتنفيس عن بعض إحباطي من خلال التواصل مع أشخاص غير لبنانيين يجدونني أنا المنطقية والقوانين اللبنانية غير المنطقية، وإلاّ لفقدت صوابي فعلاً. ولكن ذات يومٍ وإثر نقاش في العمل، نصحتني إحداهن بتفقد صفحة مجموعة نسوية لبنانية على الإنترنت. وبعد تأجيل وتشاؤم وتوقع الأسوأ، زرت الموقع ولم أصدق عينَي! كانت المرة الأولى في حياتي التي أقرأ فيها مطالبة بمساواة حقيقية بين المرأة والرجل في لبنان، وأقصد أي امرأة، العاملة الأجنبية، المثلية، المتحولة الجنس، الفقيرة، المؤمنة، الملحدة، عاملة الجنس، المثقفة، المتزوجة، الأم… بل إنّ المجموعة تهتم في الوقت عينه بتوعية الرجل ولا تحاربه. إنها تدعوه إلى مشاركتها في تحطيم الذكورية المقيّدة لكلا الجنسين والمجحفة بحق أمه وأخته وزوجته وحبيبته وابنته.
ومن قلب هذه المجموعةالشاملة الفريدة، علا صوت لنشر التوعية ورواية تجارب النسويات المختلفة ومناقشة شتى المواضيع التي تلقي الضوء على مشاكل المرأة وحقوقها المنتقصة. نشأت صوت النسوة وكنت ما زلت أتعرف إلى المجموعة النسوية وأهدافها. واليوم، وبعد مرور سنة، أشعر بفخر شديد لأنني ألعب دوراً ولو بسيطاً في رفع هذا الصوت وجعله منبراً لتحطيم أوهام اللبنانيين واللبنانيات وجهلهم الواقع اللبناني على حقيقته وحثهم على النهوض والمطالبة بإنسانيتنا أولاً، قبل مناصب الرؤساء والوزراء والنواب والأحزاب والطوائف…
“سمعتو صوت؟” “إيه، سمعنا” وكم أنا ممتنة لأنني سمعته وكم أتمنى أن يسمعه جميع اللبنانيين واللبنانيات لعله يحفّزهم كما حفّزني وينفخ فيهم روح الأمل ليستمر النضال نحو حياة أفضل ودولة تعامل جميع مَن يعيش فيها بمساواة وعدل على أساس إنسانيتهم قبل أي شيء آخر.
سنة حلوة يا صوت وليبقى صداك مستمراً لأجيال بعد
Publisher:
Section:
Category: