تتجه اليوم أعيننا وقلوبنا وعقولنا إلى الحركة التي تنشأ في الشارع اللبناني من أجل إسقاط النظام الطائفي ومن أجل دولة ديمقراطية علمانية، دولة العدالة الاجتماعية والمساواة بين جميع المواطنين والمواطنات. لأن هذه الحركة تعبّر عن تطلعاتنا وآمالنا بمجتمع أفضل نعيش فيه بكرامة، تتولّى قضية المرأة مجالاً مهماً في هذا الحراك.
لقد شاركت المرأة تاريخياً في النضالات والتضحيات من أجل بناء لبنان. فقد كان للمرأة دوراً أساسياً في إنشاء الدولة اللبنانية وتحررها من الاستعمار. لكن الدولة اللبنانية المستقلة تركت المرأة وراءها أكثر من عقد من الزمن، وذلك لتلبي مطلبها بالحق في الاقتراع والترشح إلى الانتخابات العامة. وناضلت المرأة في صفوف المقاومة، من خلال التضامن الاجتماعي والسياسي والكفاح المسلّح ضد الحروب والاجتياحات الاسرائيلية. وأيضاً سقطت قضية المرأة من أجندة الأحزاب التي تعرّف عن نفسها بأنها تقدمية ويسارية تناضل من أجل تحرّر الإنسان، وبقيت المرأة في الخلف. تساهم المرأة في عملية بناء المجتمع بعد الحرب الأهلية من التسعينات وحتى اليوم، وما تزال المرأة مهمّشة سياسياً، اقتصادياً واجتماعياً، وما تزال قضاياها “مقبورة” في القعر. فالتمييز القانوني بحق المرأة يصنفها كمواطن درجة ثانية ولا يعترف بأنها فرد تتمتع بالاستقلال عن تبعية الرجل والعائلة. التمييز القانوني بحق المرأة يصنف إلى أربع فئات؛ أولاً، على مستوى قوانين الأحوال الشخصية من زواج وطلاق والوصاية على الأولاد والإرث. ثانياً، على مستوى قانون العقوبات والأحكام المتعلقة بجرائم الشرف والزنى. ثالثاً، على مستوى قانون العمل، ورابعاً، على مستوى حقوق المواطنية وقانون الجنسية.
نرى اليوم في ثورتنا على النظام الطائفي في لبنان مشاركة واسعة وفاعلة من قبل نساء وشابات من مختلف الشرائح الاجتماعية والعمرية، تعملن ليلاً نهاراً ومن دون كلل من أجل إنجاح التحركات الشعبية والنقاشات والاجتماعات العامة. وتبدو على ملامح هذه الحركة بوادر تبنّي قضية المرأة المعبّر عنها، ولو بشكل غير مباشر في النداءات التي تتوجه الى الشعب اللبناني للمشاركة في إسقاط النظام الطائفي. من هنا ينشأ نقاش جديد ما يزال خجولاً حول الحيّز التي تأخذه قضية المرأة. وبرأيي هناك مسؤولية تقع على الحركة والأفراد المشاركين/ات فيها. فمن جهة يقع على الحركة ضرورة نقاش الموضوع بأولويته السياسية وبنفس أهمية القضايا السياسية الأخرى. لأن إهمال هذه القضية وتسخيفها وعدم الاعتراف بالأولوية التي تكتسبها يدل على مهادنة للنظام الطائفي والذكوري على قضية تعني نصف أفراد المجتمع اللبناني. ومن جهة أخرى هناك ضرورة لفتح نقاش فعّال وإيجابي حول قضية المرأة، ومشاركتها كشريكة فعليّة في بناء الوطن، على الرجال والنساء، النسويين/ات منهم/ن بشكل خاص، ان ينخرطوا/ن بشكل واسع في فتح النقاشات التي من خلالها يمكن التوصل إلى إقناع المشاركين/ات بهذه القضية، وليس بشكل فوقي أو مسقط على الحركة، بل صاعد من قلبها.
ليس من فعل الصدفة أن تكون المرأة غائبة عن المواقع القيادية في الدولة وفي الأحزاب السياسية انطلاقاً من المحافظين ووصولاً إلى التقدميين والثوريين. فقضية المرأة عبر التاريخ متروكة في الخلف وقضيتها مهمّشة تحت تأثير “أولويات” سياسية ووطنية أخرى. ولكن على الحركة الموجودة اليوم في الشارع اللبناني أن تضع القضايا الاجتماعية في صلب مشروعها، فلا يمكن إحداث تغيير جذري في المجتمع من دون التحرر الاجتماعي للفئات المهمّشة. ثورتنا تكون ثورة جذرية عندما تفسح المجال للمرأة أن تكون في المقدمة!
Publisher:
Section:
Category: