أتمنى ان تتحول صور المبنى المنهار الى بوستد كارد، نرسله الى بعضنا البعض للاطمئنان على سلامتنا. فنحن ان لم نمت في انفجار سيارة، قد نموّت اثر تحطم طائرة، وان لم نمت في تحطم الطائرة قد نموت في حادث سيارة، وان لم نمت في حادث سيارة قد نموت في حوادث فردية، وان نجونا من الحوادث الفردية قد نموت في انهيار المباني. علينا، وكل يوم ان ننتبه الى الاعجوبة التي تنجينا من الموت السهل، الموت الذي قد يسببه “المطر . فكل شيئ وارد في لبنان.
انهيار مبنى الاشرفية يحاكي ازمة حقيقية تمسنا جميعا، ان السكن في بيوت آمنة اصبح امتيازا للذين يستطيعون تحمّل مصاريف السكن، فالايجارات اكثر من خيالية، وقانون الايجار الجديد يحمي المؤجر لا المستأجر. رغم هذا، نسكن هه البيوت وندفع ٨٠٪ من دخلنا كي نعيش في بيروت، لان كل ما نريد يوجد في بيروت. فلو استطع الناس الحصول على نفس الخدمات ونفس فرص العمل ونفس مستوى التعليم، لن يتركوا مناطقهم بالضرورة، فبيروت جميلة غير ان العيش فيها متعب و مكلف جدا.
ما الذي يدفع ٦ عمال سودانيون الى العيش في الطابق الخامس، في مبنى قد يعرضهم ( وقد عرضهم ) للقتل، مقابل ٣٥٠ دولارا في الشهر. ٣٥٠ $ بالكاد تؤمن لك غرفة نوم في منزل تتشاركه مع ٣ او ٤ اشخاص، وفي اغلب الاحوال يكون منزلا يعاني من مشاكل في المياه والنش والصرف الصحي …الخ. لكننا ورغم هذا، ندفع ٧٠٠ و٨٠٠ دولار ونصلح بيوتا لا نمكلها على حسابنا الخاص و نحمد الله لانه بيت “لقطة”، حيث نجد انفسنا في مرات كثيرة ضيوفا مستدامين عند اهلنا، او على كنبة احد الاصدقاء، آملين ان يحالفنا الحظ في ايجاد غرفة او شقة صغيرة لن تسقط كل ما “هب” الهوى.
تتبارى القنوات الاعلامية و السياسيون في الحديث عن مبنى الاشرفية المنهار والضحايا والقتلى وتبدأ الاتهامات وانتهاز الفرص فيسرع اصحاب الاجارات القديمة “للنق” عن الظلم الذي يتعرضون له وعلى ضرورة ان ينصفهم القانون كي يخلوا مستأجرين عندهم منذ ٦٠ و٣٠ و٤٠ سنة، بحجة اصلاح المبنى والسلامة العامة، الكل يريد ان يستفيد من الانهيار بطريقة او أخرى، فالمستأجر بعقود جديدة “يربح المستاجر جميلة” ان مبناه لن ينهار، وعلى المستأجر عن يكف على التذمر من ارتفاع الايجار، واصحاب العقود القديمة يريدون اخلاء مبانيهم وبيعها وبناء اخريات مكانها تدر لهم الاموال التي “حرموا” من الحصول عليها، الاموال التي تجعل الافراد يذلون انفسهم في عمل واثنين للحصول على سكن لائق.
في خضم هذا، لا أحد يتساءل عن ازمة السكن في بيروت، ولا عن تفريغها المتعمد من الفقراء الذين لا يستطيعون تحمل الايجارات الجديدة. لا احد يبادر في ان يكون له له نفس الخيال الواسع والتي تتمتع به الدولة حين “تلوم” المطر على انهيار المبنى، او يتسائل عن ضرورة تعديل الايجارات الجديدة وربطها بالاجور وبنوعية البيوت وسعتها، او ان يتسائل عن الترخيص للبناء جديد قرب بناء قديم والذي يتعلم طلاب الهندسة سنة اولى بأنه قد يؤذي البناء القديم ان لم تأخذ تدابير مناسبة. الخيال الواسع في بيروت لا الهندسة التي تحدد كيف ينهار مبنى او يتعمّر، او كيف تحرص الدولة على تفريغ بيروت من فقرائها، فليذهبوا الى مكان اخر، خارج المدينة، وليذهب العمال الاجانب الى بلادهم ولتبقى العاملات الاجنبيات في المنازل وليبقى الفلسطينيون في المخيمات وليرجع الاكراد الى كردستان، فلا نريد ان نزعج القادمين الاغنياء عندما يحتسون القهوة في شرف منازلهم الجديدة والفخمة ولا نريدهم ان ينزعجوا من منظر الابنية القديمة، فلا شيئ يذكر قد حصل قبل ان يسكنوا في منازلهم ولا مكان او وجود لاحد يعاني يشاركهم مدينتهم. أهلا بكم في بيروت – مدينة خالية من الفقراء
Publisher:
Section: